فصل: تفسير الآية رقم (129):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ}.
تسلية لهم حين تضجروا مما سمعوا بأسلوب حكيم {استعينوا بالله واصبروا} على ما سمعتم من الأقاويل الباطلة {إِنَّ الأرض للَّهِ} أي أرض مصر أو الأرض مطلقًا وهي داخلة فيها دخولًا أوليًا {يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} الذين أنتم منهم، وحاصله أنه ليس الأمر كما قال فرعون: {إِنَاْ فَوْقَهُمْ قاهرون} [الأعراف: 127] فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض وأنا ذلكم الموعود الذي وعدكم الله تعالى النصرة به وقهر الأعداء وتوريث أرضهم، وقوله: {والعاقبة} إلخ تقرير لما سبق.
وقرأ أبي.
وابن مسعود {والعاقبة} بالنصب عطفًا على اسم أن. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ} أي: على أذاهم: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا} أي: يعطيها: {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} يعني أن النصر والظفر للمتقين على عدوهم.
وكان تعالى وعد موسى بأنه سيطرد المصريين من أرضهم، ويهلكهم وينجي قومه من عذاب آل فرعون لهم.
تنبيه:
قال الجمشي: تدل الآيات على أن قوم فرعون لما عجزوا عن موسى في آياته، عدلوا إلى إغراء فرعون بموسى، وأوهموه أن تركه فساد في الأرض، وأنه عند ذلك أوعده. وذلك من أدل الدليل على نبوة موسى، لأن قتل صاحب المعجزة لا يقدح في معجزته، ولهذا قال مشايخنا: إن العرب لما عدوا عن معارضة القرآن، التي في إيرادها إبطال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى القتال، الذي لا يفيد ذلك، دل على عجزهم.
وهكذا حال كل ضال مبتدع، إذا أعيته الحجة، عدل إلى التهديد والوعيد، وتدل على أن عند الخوف من الظلمة يجب الفزع إلى الله تعالى، والإستعانة به والصبر.
ولا مفزع إلا في هذين: وهو الإنقطاع إلى الله تعالى بطلب المعونة في الدفع، واللطف له في الصبر. وتدل على أن العاقبة المحمودة تنال بالتقوى، وهي اتقاء الكبائر والمعاصي. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {قال موسى لقومه}.
واقعة جوابًا لقول قومه {إنا إلى ربنا منقلبون} [الأعراف: 125] إلى آخرها الذي أجابوا به عن وعيد فرعون، فكان موسى معدودًا في المحاورة، ولذلك نزل كلامه الذي خاطب به قومه منزلة جواب منه لفرعون، لأنه في قوة التصريح بقلة الاكتراث بالوعيد، وبدفع ذلك بالتوكل على الله.
والتوكل هو جُماع قوله: {استعينوا بالله واصبروا} وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} في سورة يونس (84)، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يُرغب حصوله، وذلك داخل في الاستعانة وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله.
وخاطب موسى قومه بذلك تطمينًا لقلوبهم، وتعليمًا لهم بنصر الله إياهم لأنه علم لأنه بوحي الله إليه.
وجملة: {إن الأرض لله} تذييل وتعليل للأمر بالاستعانة بالله والصبر، أي: افعلوا ذلك لأن حكم الظلم لا يدوم، ولأجل هذا المعنى فصلت الجملة.
وقوله: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشيء عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه.
فالمراد من الأرض هنا الدنيا لأنه أليق بالتذييل وأقوى في التعليل، فهذا إيماء إلى أنهم خارجون من مصر وسيملكون أرضًا أخرى.
وجملة: {والعاقبة للمتقين} تذييل، فيجوز أن تكون الواو اعتراضية، أي: عاطفة على ما في قوله: {إن الأرض لله} من معنى التعليل، فيكون هذا تعليلًا ثانيًا للأمر بالاستعانة والصبر، وبهذا الاعتبار أوثر العطف بالواو على فصل الجملة مع أن مقتضى التذييل أن تكون مفصولة.
والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره، كقوله تعالى: {فكان عاقبتهما أنهما في النار} [الحشر: 17]، وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} في أول سورة الأنعام (11)، فإذا عُرفَت العاقبة باللام كان المراد منها انتهاء أمر الشيء بأحسن من أوله ولعل التعريف فيها من قبيل العلم بالغلبة.
وذلك لأن كل أحد يود أن يكون آخرُ أحواله خيرًا من أولها؛ لكراهة مفارقة الملائم، أو للرغبة في زوال المنافر، فلذلك أطلقت العاقبة معرَفة على انتهاء الحال بما يسر ويلائم، كما قال تعالى: {والعاقبة للتقوى} [طه: 132].
وفي حديث أبي سفيان قول هرقل: «وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة» فلا تطلق المعرفة على عاقبة السوء.
فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون.
والمتقون: المؤمنون العاملون.
وجيء في جملتي: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} بلفظين عامين، وهما: من يشاء من عباده والمتقين، لتكون الجملتان تذييلًا للكلام وليحرص السامعون على أن يكونوا من المتقين.
وقد علم من قوله: {والعاقبة للمتقين} أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم، وأن تمليك الأرض لغيرهم إمّا عارض وإمّا لاستواء أهل الأرض في عدم التقوى. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
ويقرر موسى الحقيقة الواضحة وهي أن الأرض ليست لفرعون، والعاقبة لا تكون إلاَّ للمتقين. وكأنه بهذا القول يريد أن يردهم إلى حكم التاريخ حيث تكون العاقبة دائمًا للمتقين، فإن قال لفرعون: وإنا فوقهم قاهرون، مستعلون غالبون مسلطون مسيطرون، فإن موسى يرد على ذلك: أنا أستعين بمن هو أقوى منك. إن موسى عليه السلام يأمر بأن يستعينوا بالله، ويصبروا على ما ينالهم من بطش فرعون وظلمه.
ولأن قوم موسى كانوا من المستضعفين، فإن الله وعدهم أن يؤمّنهم في الأرض ويمكن لهم فيها وهذا إخبار من الله وإخبار الله حقائق. ولكن ماذا كان موقف قوم موسى منه بعد هذا النصر العظيم لموسى، والنصر لهم؟. نجد الحق سبحانه يقول: {قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {يُورِثهَا}.
في محلِّ نصب على الحَالِ، وفي صاحبها وجهان:
أحدهما: الجلالة، أي هي له حال كونه مُورِثًا لها من يشاؤه.
والثاني: أنَّه الضَّميرُ المستترُ في الجَارِّ أي: إنَّ الأرضَ مستقرة للَّهِ حال كونها مُوَرَّثَةً من الله لمن يشاءُ، ويجوز أن يكون {يُورِثُهَا} خبرًا ثانيًا، وأنْ يكون خبرًا وحده، و{لِلَّهِ} هو الحالُ، و{مَن يشاءُ} مفعولٌ ثاني ويجوزُ أن تكون جملةً مستأنفة.
وقرأ الحسنُ، ورُويت عن حفص {يُوَرِّثُهَا} بالتشديد على المبالغة، وقرئ {يُورَثها} بفتح الراء مبنيًا للمفعول، والقائم مقام الفاعل هو: {مَن يَشَاءُ}.
والألفُ واللاَّم في {الأرض} يجوزُ أن تكون للعهدِ، وهي أرضُ مصر كما تقدَّم، أو للجنس، وقرأ ابن مسعود بنصب {العَاقِبَة} نسقًا على الأرض و{للمتَّقينَ} خبرُها، فيكون قد عطف الاسم على الاسم، والخبر على الخبر فهو مِنْ عطف الجمل.
فصل:
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: لِمَ أخليَتْ هذه الجملة من الواو وأدخلتْ على الَّتي قبلها؟.
قلت: هي جملةٌ مبتدأةٌ مستأنفةٌ، وأمَّا: {وقَالَ الملأ} فهي معطوفة على ما سبقها من قوله: {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ}.
والمرادُ من قوله: {والعاقِبَةُ} أي النَّصْرُ والظفر، وقيل: الجَنَّةُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}.
أحالهم على الله فإن رجوعَه إليه، فقال لهم: إن رجوعي- عند تحيري في أموري- إلى ربي، فليكن رجوعُكم إليه، وتوكَّلُكم عليه، وتَعَرَّضوا لنفحات يُسْرِه، فإنه حَكَمَ لأهل الصبر بجميل العُقبى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (129):

قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تشوف السامع إلى ما كان من جوابهم، أشار تعالى أن قلقهم كان وصل إلى حد لا صبر معه بقوله مستأنفًا: {قالوا} ولما كان الموجع هو الأذى، لا كونه من معين، بنوا للمفعول قولهم: {أوذينا} أي بالقتل والاستعباد.
ولما كان أذاهم غير مستغرق للزمان، أثبتوا الجارّ فقالوا: {من قبل أن تأتينا} أي كما تعلم {ومن بعد ما جئتنا} أي فما الذي أفادنا مجيئك {قال} مسليًا لهم وداعيًا ومرجيًا بما رمز إليه من قبل {عسى ربكم} أي الذي أحسن إلى آبائكم بما تعرفون وإليكم بإرسالي إليكم {أن يهلك عدوكم} فلا يهولنكم ما ترون {ويستخلفكم} أي ويوجد خلافتكم لهم متمكنين، لا يحكم عليكم غيركم {في الأرض} أي جنسها إن كنتم متقين؛ ثم سبب عن الاستخلاف قوله مذكرًا لهم محذرًا من سطواته سبحانه: {فينظر} أي وأنتم خلفاء متمكنون {كيف تعملون} أي يعاملكم معاملة المختبر وهو في الأزل أعلم بما تعملون منكم بعد إيقاعكم للأعمال، ولكنه يفعل ذلك لتقوم الحجة عليكم على مجاري عاداتكم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوم موسى عليه السلام، لما سمعوا ما ذكره فرعون من التهديد والوعيد خافوا وفزعوا، وقالوا قد أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا وذلك، لأن بني إسرائيل كانوا قبل مجيء موسى عليه السلام مستضعفين في يد فرعون اللعين، فكان يأخذ منهم الجزية ويستعملهم في الأعمال الشاقة ويمنعهم من الترفه والتنعم ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، فلما بعث الله تعالى موسى عليه السلام قوي رجاؤهم في زوال تلك المضار والمتاعب، فلما سمعوا أن فرعون أعاد التهديد مرة ثانية عظم خوفهم وحزنهم، فقالوا هذا الكلام.
فإن قيل: أليس هذا القول يدل على أنهم كرهوا مجيء موسى عليه السلام وذلك يوجب كفرهم؟